الاثنين، 28 أغسطس 2023

 لهذه الأسباب فشلت الجزائر في دخول "بريكس" ودخلت مصر والإمارات وإيران !

 لهذه الأسباب فشلت الجزائر في دخول "بريكس" ودخلت مصر والإمارات وإيران !



جذبت قمّة دول "بريكس" في جوهانسبورغ كل الأنظار. نسخةُ هذا العام اختلفت عمّا سبق. دول عديدة تقدّمت بطلب عضوية، قُبِلَ بعضها، رُفض الآخر وبقي السؤال بالعريض: هل انتهى زمن القطب الواحد؟ هل مثّلت "بريكس" شهادة ميلاد لنظام متعدّد؟ لماذا قُبل من قُبل ورُفضت الجزائر مثلاً؟ "النهار العربي" حاور الدكتور جلول سلامة، وهو خبير اقتصادي جزائري ومتخصّص بالهندسات المالية. 

 

يستهلّ سلامة حديثه بالإشارة إلى ما تمثله السعودية والإمارات من ثقل مكّنهما من كسب عضوية "بريكس". ويقول: "السعودية تمثل خزاناً هائلاً للطاقة؛ ثلث الطاقة في العالم موجود في السعودية. الناتج الخام السعودي في 2022 يُقدّر بنحو 960 مليار دولار، يعني أننا على حدود التريليون دولار. بالنسبة إلى الإمارات، ولو بنسبة أقل، ولكن مقارنة بعدد السكان والمساحة الصغيرة، فهي أكثر امتيازاً بكونها خزاناً مالياً من خزان طاقي، وهي دولة محورية من حيث الثقل المالي".

 

جمهورية مصر، يتابع سلامة: "تُعدّ أولاً خزاناً بشرياً كبيراً، وهي بلغة الاقتصاد أكبر خزان مستهلكين في الوطن العربي من حيث القدرة البشرية، وكذلك هي اقتصاد حرفي وتعديني مميز، لكن الميزة الحقيقية للاقتصاد المصري، رغم أنّه موجود في حالة أزمة مالية خانقة، وهو مكبّل بالديون (دين داخلي مترافق مع دين خارجي يفوق 4 مليارات دولار، وهو يضغط كثيراً على الخزينة) إلاّ أنّ نمو الاقتصاد المصري متسارع". 

 

ليسوا أغبياء

برأي سلامة، تلبّي الاقتصادات هذه الشرط الأساسي لدخول "بريكس"، "وهو أن تكون قادرة على البقاء في هذه النخبة ذات النمو المتسارع... وهنا النقطة المفصلية". 

"البريكسيّون" ليسوا أغبياء -يقول- فهم يريدون أن يضعوا أيديهم على الموارد الطاقية المتوافرة لدى الدول التي طلبت الانضمام، ويمدّون يدهم إلى الطرق البحرية، ويضعون أيديهم على أكياس الأموال الموجودة لدى السعودية ولدى الإمارات، والميزة الأهم بالنسبة إلى مصر هي قناة السويس".

"ما ميّز مصر للدخول إلى "بريكس" يتمثل في كونها دولة محورية في الطرق البحرية لنقل النفط من الخليج إلى الصين والهند، ومن المستحيل أن يكون هناك مستقبل مضمون للاقتصادات الشرق آسيوية، بخاصة للصين والهند، من دون الأمان في الطرق البحرية، وقناة السويس مهمّة للغاية هنا"، يشرح سلامة. 

إيران مقبولة

بالحديث عن الدول المُنضمّة إلى المجموعة، يقول سلامة إنّ الاقتصاد الإيراني نامٍ ومتسارع، ويُعتبر قدرة مالية كبيرة، ولديه عدد كبير من المواطنين المستهلكين، بالإضافة إلى أهمية وجود مضيق هرمز. بالتالي هذه المضائق المائية، كباب المندب، خليج هرمز وقناة السويس، هي العصب في النقل البحري وسلاسل الإمداد الطاقية والنفطية، بين مصادر في الشرق الأوسط وأماكن استهلاكها في الهند والصين وشرق آسيا عموماً. المضائق هذه ونمو الاقتصاد الإيراني سمحت بقبول عضويتها.

الجزائر متأخّرة

لماذا تأخّرت الجزائر وتقدّمت إثيوبيا؟ يجيب سلامة، أنّ الجزائر في عهد مضى، أي منذ أقل من عشرين سنة، كانت قد مسحت ديون إثيوبيا، ومسحت ديون الكثير من ديون دول إفريقية بقرار من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. "تأخّر الجزائر في "بريكس" كان منتظراً. هذه بلادي وعزيزة عليّ، ولكنني كنت أقول في الإعلام الوطني إنّ الاقتصاد الجزائري بحاجة ماسّة إلى إصلاحات هيكلية عميقة تؤهّله للالتحاق بـ "بريكس" وهو سيلتحق قريباً، لكن شرط تسريع الإصلاحات وبخاصة المالية". 

يضيف: "تراجعت في الجزائر نسبة النمو في 2022 من حدود لامست 4,2 في المئة، وهناك تراجع متوقّع إضافي، وهناك عدم تسريع في الاقتصاد الجزائري. وهذا ما قلته كثيراً حول إعادة النظر في هيكلة الاقتصاد الجزائري".

...ولكن، "ثمة ميزة للجزائر، فهي تُعدّ بوابة بين أوروبا وإفريقيا؟".

"هذا ليس أولوية في منظور "البريكسيين"، بل جاء في المرتبة الثانية. فالسعودية والإمارات ومصر مهمّة أكثر لـ "بريكس" من الجزائر، إضافة إلى أنّ ثلثي مبيعات الجزائر بالدولار، وهي مع الدول الأوروبية ومع الولايات المتحدة. ثلث واردات الجزائر مع دول من "بريكس" وعلى رأسها الصين. المبيعات أكثرها يبقى بالدولار لكن مشترياتها ستكون ضمن 5 سنوات بالدولار، وربما يقع تحوّل في المستقبل عندما تصلح منظومتها المالية وتراجع قيمة الدينار، أو تصكّ عملة جديدة". 

شهادة ميلاد

قمّة "بريكس" هي بمثابة شهادة ميلاد عالم جديد متعدّد القطبية، كما أراده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصين شي جينبينغ، بالتالي تعدّد القطبية أصبح واقعاً، بنظر سلامة.  

"البريكس في طبعته الحالية أصبح له نوع من الجاذبية لدى كثير من الدول التي أبدت رغبتها الملحّة بالالتحاق بهذه المجموعة، وهناك عوامل عدة للرغبة بالانضمام إلى المجموعة، بينها إخفاق الغرب في الإبقاء على جاذبيته وسيطرته الثقافية والعلمية والتكنولوجية والبريق الديموقراطي والحرّيات وما شابه، وهو ضيّعه بكثير من الغباء. إضافة إلى الحروب الأطلسية على العالم، بخاصة العربي، بحجة محاربة الإرهاب. ويرى كثيرون أنّ الحروب هذه جائرة، غير غافلين عن الحروب الاستباقية بقيادة الولايات المتحدة وحلف الأطلسي، مثل الحرب في العرق وليبيا وسوريا واليمن"، يقول سلامة.

ومن بين أسباب جاذبية "بريكس"، بنظر سلامة، هو الهروب من العقوبات الغربية و"الاحتماء بقطب اقتصادي محمي عسكرياً ونووياً مثل "بريكس"، وهو يوفّر نوعاً من الحماية حتى ولو أنّ "بريكس" ليس منظّمة تماماً كما يحلم به المنظّمون، وربما يُصاب المنضمون إليه بخيبة أمل". والأهم، دور الدولار في إحكام السيطرة على اقتصادات الدول عموماً والدول المتوسطة والضعيفة الدخل بخاصة. والعالم استفاق من غيبوبته تجاه هذه النقطة، وما عزّزها هو تزايد الدين الأميركي عن طريق إفلات بيع سندات الخزينة الأميركية، وهو ما يتخوّف منه العالم". 


Source